مثل الجليس الصالح .. ومثل جليس السوء ..

من هدي السنة النبوية




[/size][size=21]عن أبي موسى
الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الجَلِيسُ
الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ فَحَامِلُ
المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذّيكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا
أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً وَنَافِخِ الكِيرِ إِمَّّا أَنْ
يَحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً
). رواه البخاري.


وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ إِنْ
لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الجَلِيسِ
السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ
أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ
). رواه أبو داود والنسائي.

التعريف براوي الحديث:

* هو الصحابي الجليل أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ( نسبة إلى الأشعر
قبيلة باليمن). قَدِم مكّة وأسلم وعاد إلى قومه وأسلم معه نحو خمسين رجلاً
من قومه. وكان حَسَن الصوت بالقرآن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (
إِنَّكَ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ). استعمله
الرسول صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، وساحل اليمن. وولاه عمر بن
الخطاب رضي الله عنه على البصرة والكوفة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
360 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم مها على تسعة وأربعين، وانفرد البخاري
بأربعة، ومسلم بخمسة عشر. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 50 هـ عن
ستين سنة.

الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري، أمّه أمّ سليم رضي
الله عنها، أهدته أمّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين،
لازم خدمته عليه الصلاة والسلام عشر سنين، تعلّم منه الأخلاق والمثل
العليا، وكان حَسَن الصلاة وكثيرها، قال أبو هريرة فيه: ما رأيت أحداً أشبه
بصلاة النبيّ من أنس. دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (
اللَهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ ).

روى عن النبي عليه الصلاة والسلام الكثير من الأحاديث بلغت ألفين ومئتين
وستة وثمانين حديثاً، اتّفق الشيخان منها على مئة وثمانية وستّين حديثاً،
وانفرد البخاري بثمان، ومسلم بسبعين. توفي رضي الله عنه عن عمر تجاوز المئة
وذلك سنة 93 هـ.

معاني المفردات:

- مَثَل: صفة وحال.

- الجليس: المجالس القاعد معك.

- المسك: نوع جيد من الطِيب يؤخذ من الغزال.

- صاحب المسك: بائع الطيب وإن لم يكن مسكاً.

- يحذيك: يعطيك.

- تبتاع: تشتري.

- أصابك: حلّ بك.

- الكير: جراب من جلد تنفخ به النار.

- صاحب الكير: الحداد، الذي يصنع آلات الحديد.

- سواده: شرار ناره حيث يسود بعد أن ينطفئ.

المعنى الإجمالي للحديث:

يحثّ الرسول الأكرم على أن نحسن اختيار الصديق والرفيق حيث شبّه الرسول صلى
الله عليه وسلم حال الجليس النافع والصديق الصالح بحال بائع المسك، فإنّك
تنتفع به إذا اشتريت منه أو أهدى إليك بعض طيبه، وإذا لم يحصل ذلك فإنّك
تشمّ رائحة الطيب الزاكية، وكذا الصديق الصالح تتبادل معه الحديث فيما يعود
عليكما بخيري الدنيا والآخرة، أو يكون النصح والتوجيه من جانبه فقط فتنتفع
بنصائحه
[size=21]وإرشاداته، أو لا يكون هذا ولا ذاك
ولكن تنظر إلى وجهه وحال صلاحه فتتبع طريقته وتحاول أن تكون مثله فتزكو في
نفسك محبّة الخير والصلاح.

وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم حال الجليس السيّئ الطباع والصديق الفاسد
الأخلاق بحال الحدّاد الذي ينفخ الكير، فإنّه إذا طار شراره ووقع على ثيابك
أحرقها بناره، وإذا لم يكن هذا فكفى أنّك تشمّ رائحة الدخان الكريهة وتضيق
أنفاسك منها، وكذا الصديق الفاسد فإنّه قد يحملك أن تشاركه في أعمال الضرر
والفساد وتسري عدوى الأخلاق الفاسدة إليك سريعاً فتصير عضواً فاسداً
وإنساناً شرّيراً، وإذا أخذت الحذر والحيطة ولم تشاركه في فساده فإنّك لا
تخلو من الضيق به ولا تسلم من التهمة وسوء السمعة بأنّك تصاحب الأشرار.

فرحم الله مسلماً كرّم نفسه وابتعد عن مواطن الشبهات واختار أصدقاءه ورفاقه من الطيبين المخلصين الطاهرين.

ما يستفاد من الحديث:

ـ ‏قال رسول الله ‏ ‏ صلى الله عليه وسلم: (‏ ‏الرَّجُلُ عَلَى دِينِ
خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ ‏ ‏يُخَالِل) رواه الترمذي، إن
الصحبة الصالحة شرط لبلوغ مقام اليقين.

ـ إن الظَّفَر بصحبة صالحة في زمن الفتنة لممّا يعينك على صلاح حالك مع الله سبحانه وتعالى وتقويم خُلقك وسلوكك مع الخَلق.

ـ الصحبة الصالحة تقويك على الطاعة وتجنّبك المزالق والهفوات. تذكرك إذا
نسيت، وتنصحك إذا انحرفت. إنّها ظَفَر لك في الدنيا وذخر لك في الآخرة